د. صلاح جرّار
لا ينكر أحدٌ أنّ ثمّة مشكلة، بل مشكلات تتشابك لتشكّل أزمة، بل أزمات، تزداد تفاقماً وتستعصي على الحلّ. وما من كاتب أو مفكّر أو محلّلٍ أو مسؤولٍ أو إعلاميّ أو مواطن إلاّ وهو يسعى إلى معرفة مكمن الخلل، فيشير بإصبع الاتّهام تارةً ذات اليمين وتارةً ذات الشمال، وتارة يغمض عينيه ويوجّه إصبع الاتهام إلى الأمام ويدور دورة كاملة، فيشير بذلك إلى كلّ من حوله وكلّ من فوقه ومن تحته من الناس، وأصبح كثير من الناس يطلقون الاتهامات في كلّ اتجاه ولكلّ من تقع عليه أعينهم، بحيث تبدو الصورة كاريكاتورية عندما يقف كلّ الناس وهم يشيرون بأصابع الاتّهام إلى كلّ الناس، وهي حالة تجعلنا نتساءل: إذا كان الكلّ يتهم الكلّ فمن المسؤول وأين تكمن المشكلة وأين نجد الحقيقة؟ وبذلك تضيع الحقيقة ويعسر على المحلّلين والمتابعين معرفة السبل لاكتشاف الحقائق وتحديد مكامن الخلل وأسبابه، فتزداد الأمور تعقيداً والمشكلات تفاقماً واستعصاء على الحلّ.
إنّ تشابك أصابع الاتّهام وتقاطعها وحجبها لضوء الحقيقة هي مشكلة أساسيّة من المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا، مع ما يخالط ذلك من أوهام وشكوك وانطباعات واجتهادات قد تكون صائبة أو بعيدة عن الصواب.
ويفوت كثيراً من مُشْهري أصابع الاتهام أن يشيروا بأصابع اتهامهم إلى أنفسهم وإلى ممارساتهم الخاطئة في حقّ المجتمع وحقّ الوطن وحقوق المواطنين، أو إلى تقصيرهم في القيام بواجباتهم نحو الوطن والمجتمع.
ولذلك فإنّ المساعدة في الكشف عن أسباب ما يعاني منه الوطن من أزمات والسعي إلى تجاوز تلك الأزمات يتطلب من كلّ مواطن أيّاً كان موقعه أن لا يكون ممّن يسهمون في تفاقم تلك الأزمات من خلال تقصيره وعدم التزامه أو عدم مراقبة سلوكه الشخصي، كما يتطلب منه أن يتجنب الارتجالية في إصدار الأحكام على الناس وتوجيه أصابع الاتهام لهم اعتماداً على الأوهام والظنون والانطباعات والشائعات، لأنّ في مثل هذه العشوائية في الاتهام إضراراً بالمجتمع والوطن وتكريساً لمشكلاته وتغييباً للحقيقة وإشاعة لمزيد من الفساد وخدمة لأعداء الوطن.
[email protected]